زكية جورج تعرض بعضا من هموم المرأة واخرى اجتماعية في اغانيها يمثل عقدا الثلاثينات والاربعينات من القرن الماضي هما العقدان اللذان نشطت فيهما الفنانة المتميزة زكية جورج غنائيا . والمعروف وقتها ان الاغنية العراقية عموما تتناول في مواضيعها مواضيع غزلية في صفات وجمال الحبيب بالاضافة الى اللوعة التي يتركها هجر الحبيب او وصاله على المحب وما يتفرع منها من امور اخرى.ومن الجدير بالذكر ان الفنان القدير (عزيز علي) قد نشط في مجال المنولوجات التي تنتقد عادات اجتماعية وتبعها بعد ذلك منلوجات ذات طابع سياسي حيث اصبح استاذا فيها لا يشق له غبار. ويعتبر غناء زكية جورج عن هذه الهموم النسائية خطوة متقدمة على صعيد الدفاع عن حقوق المرأة قياسا الى التزمت الاجتماعي السائد في تينك العقدين .ومن اشهر الامثلة التي نستشهد فيها في هذا المجال هي اغنية( شگول على حظي انا البنية....رجلي تزوج فوگ راسي مرية) ....الخ ، وهي هنا تندب حظها وتجهر بالشكوى عن قيام زوجها بالزواج من امرأة ثانية (ضرة) وما يترتب عن هذاالعمل من ضرر قد يلحق بهاكماتتصور هي هنا باعتبارها الزوجة الاولى .
ومن الاغاني الاخرى التي تناولت موضوعا وظفت اغنيتها مثلا متداولا من الامثلة الشعبية العراقية حيث غنت ( ياحافر البير لاتكثر مساحيها ...خاف الفلك يندار وانت تگع بيها) والمسحاة هي الاداة الرئيسة التي يستعملها الفلاح العراقي في شق السواقي وحفر الآبار وغيرها من اعمال الحقل. وكذلك فانها قد غنت اغنية اخرى استهلتها بمثل شعبي آخر وهي اغنية(بيش ابلشت ...يابو بشت) والبشت هو نوع من العباءات الرجالية التي تنسج من خيوط صوفية مغزولة ومن اغنياتها التحذيرية للمستجدين بالعشق والغرام وقليلي التجربة فيه الاغنية التالية: طير طير لا توكر انصحك طير هذا بحر العشگ غرگ ياولد مثلك كثير
ابارك لكم هذه الاحتفالية الكبرى المكرسة للفنانة الكبيرة زكية جورج التي اطربت الجمهور بصوتها الجميل وأدائها المبدع وبقيت أغانيها خالدة في قلوب الناس.
وبالنسبة لي فقد سبق وان افتتحت مثبتا لزكية جورج في منتدانا العزيز ورفعت فيه كل ما لدي من ملفات غنائية. ولكني سأكون معكم خلال الاحتفالية التي ستكون ناجحة ومتميزة كسابقاتها ان شاء الله
نحمد الله في نهاية اليوم الاول من هذه الاحتفالية على هذا العدد الممتاز من المشاركات التي اجاد بها اصدقائنا واحبائنا المخلصين لكي يجعلوا منها كسابقاتها عرسا مكللا بالافراح والنجاح .
شكرا لكم جميع ودمتم سندا للفن التراثي العربي وحفظة له وامناء عليه .
مارست المطربة زكية جورج الرقص مع اختها (علية) قبل ولوجها فن الطرب. جاءت مع اختها هذه من مدينة حلب السورية إلى بغداد / 1920 وكانت بعمر تسعة عشر عاماً. وسكنتا محلة المربعة في دار احد اثرياء بغداد، وقد اعجب بها وبرقصها وهام بزكية حباً وطلب منها الزواج لكنها رفضته مفضلة فن الرقص على الزواج منه اضافة لكبر سنه وتعدد زوجاته، فكان ان ثار وغضب منها، فاخرجها من بيته ومعها اختها علية. ودارت الايام دورتها المعهودة وتحولت من فن الرقص إلى فن الطرب، وذاع اسمها كمطربة ذات لون خاص بها. وقيل انها غيرت اسمها من فاطمة إلى زكية بسبب نظام الملاهي السوري لا يسمح للسوريات المسلمات بالرقص في الملاهي، فكان ان اضافت لزكية اسم جورج المسيحي. على عهدة من قال بهذا! وتجمع الشعراء والكتاب والادباء حولها كما هو شأنهم عند اكتشافهم صوتاً جميلاً يتعشقونه ويستلهمون منه وحياً لإلهاماتهم، وساعدوها في المضي قدماً لتصدح بصوتها المبلسم لجراح عشاق الجمال والكمال، ومن اشهر هؤلاء وفي مقدمتهم الشاعر (كمال نصرت) واكرم احمد. وكمال هذا هو الذي عرض عليها الزواج حاله حال الثري البغدادي الذي كان يملك المال ولا يملك موهبة الشعر وبالعكس منه كمال نصرت الذي يمتلك طاقة الشعر ولا يمتلك من عرض الدنيا إلا ما تقتات عليه العصافير! كان نصرت (يزقها) بالقصائد الطوال والعراض ومن مختلف البحور طويلها وقصيرها ورملها ومجزوئها، دون ان تترك اثراً يذكر عند زكية التي صدته ولم تكن تفهم ما يرمي اليه سيما وهي لا تجيد حتى القراءة والكتابة.
يقول لها نصرت: انت بالفن كبيرة من سليمى من منيرة انت بالسن صغيرة انت بالفن كبيرة وله ايضاً: انا اهواك سمية والهوى شربلية هو حلو هو مر وبه تحلو الاذية
وفعلاً عاش المسكين يعاني من اذية صدود زكية بل لم تكن تلتفت اليه ادنى التفاتة. ولم يكن الثري البغدادي والشاعر كمال نصرت يحبان زكية بل احبها الكثير من وجهاء بغداد والمحافظات وكذلك من رجال الفكر والادب والفن. واستقر بها المقام كمغنية من الدرجة الاولى في ملهى صالح بطاط عام 1926 وما تلاها. وفي اربعينيات القرن الماضي اصبحت زكية جورج المطربة الوحيدة التي لا تنافسها اية مطربة اخرى في بغداد. ولم تكن وهذه حالتها ان تغيب عن اعين شركات تسجيل الاسطوانات والتي تهافتت عليها بعد ان ادركت بحسها التجاري مدى رغبة الجمهور العراقي بسماع صوتها ومن هذه الشركات: (His Master Voice صوت سيده) واوديون وسودا وبيضافون وغيرها. واشهر اغانيها من مقام العجم وين رايح وين وتاذيني وتاليها وياك. ومن مقام اللامي من غير امل حبيت انا وما اكَدر اكَولن آه خوف الفضيحة. ومن مقام البيات يا بلبل غني لجيرانك وكلما ردت ياما تعبت. ومن مقام بيات شوري ما ظل صبر كلبي انجوه وانا الحديثة انا بنت الفقير. ومن مقام النهاوند كلبي خلص والروح ملت بالوعود وطير طير لتوكر انصحك طير. ومن مقام الحجاز الراح الراح كل وني على الراح. ومن الرست بمحاسنك وبهاك. ومن الزنجران شكول على حظي انا البنية ومن الصبا انا من اكولن آه واتذكر ايامي. ومن مقام الكرد اغنية يا حافر البير. إلى كثير من البستات والاغاني الخفيفة الاخرى.كان صوتها رحمها الله ذا حلاوة مصحوبة بنقاء وصفاء يندران أن تجدهما يجتمعان بصوت واحد، ولكن يتكون من سلم ونصف او اوكتاف ونصف الاوكتاف أي له حدود وقيود وينقصها الجوابات على العكس من قرارها الواضح والمفهوم. ذكرت احدى الصحف العربية سنة 1948 ان الموسيقار عبد الوهاب قال بشأن زكية جورج انه توجد في بغداد مطربة ذائعة الصيت تغني اغنية جميلة وغريبة هي انا من اكولن آه.. آه لو تعرفتم عليها.
قال عنها الصحفي الراحل صادق الازدي صاحب مجلة قرندل الاسبوعية في العهد الملكي ان زكية جورج وبالرغم من جهلها اصول الغناء ومعرفة المقامات العراقية وجهلها المساحات الصوتية لكنها متفوقة كثيراً على زميلاتها من المطربات فهي مطربة صداحة ولها باع كبير بالغناء وهي لا تزال تتربع على عرش المطربات. وكان صوتها يدخل القلب، من اول جملة غنائية تطلقها حنجرتها في عهدها عاصرها شعراؤنا الكبار امثال جميل صدقي الزهاوي ومعروف الرصافي ومحمد مهدي الجواهري ومحمد بحر العلوم ومحمد رضا الشبيبي وبدر شاكر السياب واغلبهم خلدوا زكية في شعرهم العراقي الراقي.في الخمسينيات عادت إلى بلدها حلب متمثلة بالقول (يا غريب اذكر هلك). وقضيت بقية ايامها فيها. ورحلت إلى دنيا الخلود سنة 1966.