انه من الرائع حقاً ان تكون احتفالية الفنانة زكية جورج مناسبة لإجراء المناقشات والمساجلات والمقارنة بين ام الفن مصر والعراق . لقد طرحت اراء قيمة وموضوعية من قبل الاستاذ العزيز وسام الشالجي والاستاذ الكريم فاضل الخالد. وانا اود ان اذكر عاملاً مهماً اضافة الى ما ذكر من اسباب مهمة ، وهذا العامل يتعلق بالإمكانيات المالية التي لها دور فعال واساسي في التجديد والتحديث والنهوض الفني.
كانت مصر في النصف الاول من القرن الماضي من أغنى البلدان العربية وكانت تتمتع بإمكانيات اقتصادية ومادية لا يستهان بها مقارنة مع العراق البلد الفقير آنذاك.
يقول الجواهري في مذكراته " ذكرياتي " في معرض حديثه عن مهرجان المعري الذي اقيم في سوريا عام 1944 وكان مدعواً فيه وكذلك الأديب المصري الكبير طه حسين وزير المعارف آنذاك :
" استمر المهرجان اسبوعاً كاملاً. وبعد انتهائه أقام الدكتور طه حسين حفلاً فخماً على حساب الوفد المصري معه ، وحين كنا، نحن الوفد العراقي ، حتى بدون مصروف جيب ، كان الدكتور طه يقدم صكاً بخمسة آلاف جنيه- وللجنيه الواحد حينئذ مكانته – تبرعاً باسم الحكومة المصرية ، لتعمير قبر (ابي العلاء) وبأكثر من ذلك بكثير ، فلطباعة آثاره ما نشر منها وما لم ينشر ، وهي كثيرة .. وبالاضافة الى ذلك فقد اقام مأدبة عشاء لا افخم منها ولا أجمل .."
وقد ذكرت في مكان آخر كيف ان الجواهري قد حل ضيفاً على وزارة المعارف المصرية ثم الحكومة المصرية عام 1949 التي تكفلت باقامته والصرف عليه وعلى عائلته والتكفل بدراسة اولاده لاكثر من عام.
ان ما ذكرته اعلاه يبين ان هناك بعد شاسع بين امكانيات مصر وإمكانيات العراق المالية. فبدون العامل المادي لا يمكن للتجديد ولا التطوير وفي شتى المجالات الفنية والتقنية ان تأخذ مكانها المناسب والمطلوب.